لاعدالة من دون مرجعية قانونية للدستور
ندوة خاصة بالجزائر في ظل الحديث عن تعديل الدستور
الجزائر إلى أين؟
· يتم الحديث عن تعديل الدستور في الجزائر. ما الذي يعني في نظركم تعديل الدستور، و كيف تقرؤون المرحلة القادمة في الجزائر إزاء ثالوث: الإرهاب/ التعددية السياسية/ و الحرّية التي تكفلها المواطنَة؟
- شرف الدين شكري : إن التطبيقات السياسة التي ترتبط في مرجعيتها بمنطق السّياسة الحديثة ،وما تفرزه من ممارسات مقنَّنة وفق منهج سلطوي واضح المعالم ،ويحدِّده الدستور ،لأجل ضمان حقوق وواجبات المواطن بحسب المسؤولية التي يشغلُها،لا تعني البتَّة التطبيق السياسي الموحَّد والمشتَرَك حوله من قبل كل أنظمة الحكم المختلفة التي تندرج ضمن سياق الجمهوريات مثلا،أو الفدراليات …إلخ من أنظمة الحكم القائمة. فالجمهوريات ،عبر العالم تختلف في دساتيرها، وكذلك الفدراليات..، حسب ما يتم إنتاجه من قوانين ذات مرجعية تاريخية معيَّنة Référence historique prés-définie تخدم المصلحة العامة،وتُسنّ بموافقَة أغلبيَّة مختلف أجهزة الهيئات الانتخابية في الجهاز التنفيذي للدولة ،والممثّلة لـ « خيارLe Choix الشّعب.
وتُقاس بالمقابل، درجة ونوعية الحرية في الدول المتطوِرة ،بنسبة تأثير التيار المُعارِض ،وقيمة وكميّة التغيير الذي ينتُج عن هذه المعارضة .إذ لا يمكننا تصوُّر ،ولا حتى قياس نسبة تغلغل الحرية في أي مجتمع/وما ينجرُّ عن ذلك من نتاج مادي ومعنوي: من الناحية السوسيو-اقتصادية،والإعلامية والتاريخية..إلخ، إلاَّ بمعرفة مكانة صوت المعارضَة، ونوعية الحرية الممنوحة لها من اجل ضمان توليد نتاجها المذكور آنفا، بمعزل عن العزل والنفي والاحتكار وجور الأحكام القضائية ،والتغريبAliénation ،أو حتى القتل.
مجرَّد التحليل الإحصائي البسيط الذي يتأتى من عدد النّاخبين ،الذين أبدوا بأصواتهم في المرحلة الانتخابية الرئاسية الثانية للرئيس بوتفليقة ،والذين لم يتجاوزوا الخمسين بالمائة(50%) ، والذين لم تتحصل الرئاسة الحالية على نصف أصواتهم (25%)رغم كل التّحايلات الانتخابية المعروفة التي يعرفها القاصي والداني والتي لا تحتاج إلى إثباتات ، ينضاف إليه العدد الكارثي المتدنّي Dégradation du nombre de votants) للمصوتين في الانتخابات البرلمانية، والذي لم يتجاوز الثلاثين(30%) بالمائة إجمالا، يجعلنا نخلص إلى أنَّ المجتمع الجزائري فقد الثقة (Perte de confiance envers le pouvoir)بحكومته الحالية التي أخلفت بكل عهودها الإنمائية والتنموية ، وتستَّرت وراء ملايير الدولارات بسبب الظروف الاقتصادية التي جاءت قبل الأزمة العالمية الحالية، وتحصًّنت باللّوبي المافيوي ثنائي القطبين: الاقتصادي(التجاري) – السياسي.،فخلقت بذلك طبقة اجتماعية جديدة وعنصُرية Une nouvelle Strate Sociale et Raciale، وغيَّرت من المفهوم الأكاديمي ،وحتى العُرفي المتعارف عليه في المجتمع الجزائري ،لمفهوم المواطنةLa Citoyenneté أو المواطِن.
من هنا ،لا يمكننا الحديث عن تعديل للدستور في ظل غياب كتلة معارِضَة ،تفرض ديناميكا جدلية متعقِّلة Une dynamique Raisonnable ،وتستطيع خلق توازن في القوى داخل سلطة الجهاز التنفيذي ذاته، وتفرض حماية صوتها، كما هو الشأن في بنية الخطاب السياسي الحديث .
إنَّ التجمعات السياسية في الجزائر،لا تكاد تخرج عن بعبع تمثيل الامتدادات القَبَلية Les extensions Tribale ،التي جعلت الخطاب السياسي صوتا قَبَليا ،أكثر منه صوت دولة Une voix de tribut plutôt qu’une voix d’état ، ولذلك فإن الممثل الأعلى للسلطة في البلاد ، يعدُّ بمثابة الممثل الأعلى للقبيلة بامتياز. من هنا تسقُط كل الأنشطة الإدارية التنظيمية والمتعلّقة بالتسيير الإداري الحديث La nouvelle administration، وتغدو مجرَّد استهلاك لا منطقي لمدخَّرات البلاد من عملة، يتمُّ من خلالها تُغطّية التظاهرات السياسية المتعدِّدة التي تشفع للقائمين على السلطة بقاءهم ،وتمدُّهم بالشرعية التي سرعان ما يظهر وزنها الحقيقي عند اختتام تلك التظاهرات على منصة الأولمب الكُبرى (البرلمان)، فتميل الكفة فيه دوما إلى صوت التحالف القبلي المصلحاتي، ناسفة بذلك المعنى الحقيقي لكل ديكورات تلك التظاهرات سالفة الذِّكر.
لم يحدث في تاريخ حكم ما ،حديثا كان أم قديما ،أن تصرَّف القائم على السلطة بشراء ذمم الأصوات الانتخابية ،أياما فقط قبل تمرير مشروع تعديل الدستور،وذلك بمضاعفة دخل أعضاء البرلمان إلى 150 % – أي ثلاثين مرة ضعف معدَّل دخل المواطن الجزائري-، ممّا يجعل مصداقية المنتخبين في حدِّ ذاتهم ، تسقط ، ويجعل كذلك شرعية المُنتخِب البرلماني ،وأخلاقيات التمثيل معرَّضة إلى الطّعن وإلى إعادة النظر.
لقد بينت الدّراسات الإحصائية الخاصة بفساد الإدارة والرشوة التي أُجريت على العديد من الدُّول التي تعاني من هذه الظاهرة من طرف « المنظمة الدولية للشفافية « ، والتي تدخل ضمنها الجزائر، بأن هذه الأخيرة، تُعذُ ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم،ومن المؤكد بأن قرار الرشوة العلنية الذي لجأت إليه الدولة الجزائرية الحالية، يدخل ضمن هذا النّسق الدنيء ، مما يجعلنا نتيقن بأن القائم الأعلى على الرشوة في البلاد ،هو نفسه القائم الأعلى على الحكم.
في انتظار إلغاء تلك التعديلات الدستورية التعسفية التي مسّت جانب الحريات والموروث الرمزي لافتقادها للمصداقية - كاحتكار تاريخ الثورة، وعدم البحث في تفاصيله باعتباره ملكا للمؤرِّخين، وفتح الباب واسعا أمام صوت تأبيد الحكم ،وجعله حكرا على صوت القبيلة الأمية- ، لا يمكننا الحديث عن عدالة اجتماعية ،ولا استقرار ونمو اقتصادي ،وارتقاء في البرامج التربوية على اختلاف مستوياتها ،وجلب للاستثمار الدولي بمفهومه الواضح والشفاف ،ولا عن الحدّ من ظاهرة الإرهاب ،التي سُطِّر لبقائها من قبل قوى الخفاء المحلية والدّولية من أجل ضمان استقرار بعض المصالح الجيو-سياسية والاقتصادية (التجارية)،ولا عن حقوق مواطنة متحضِّرة وقائمة على التعددية العرقية ،واحترام الأقليات الدينية.
هناك سدَّاد لفوَّهة انطلاق أي نهضة ، تقومُ عليه الدولة في الجزائر، لا يمكننا بسببه الحديث عن أي ديناميكا من شأنها أن تمسّ كل الجوانب. وفي انتظار نزع هذا السدّاد بفضل الثورة السلمية، والمتعقِّلة والهادئة، سيصبح من نافلة القول الحديث أو التفكير في غير هذا.
شرف الدين شكري بسكرة في 29/11/2008
أجرى الحوار/ ياسمين آغا.صحافية أمريكية
Laisser un commentaire
Vous devez être connecté pour rédiger un commentaire.