Classé dans : Non classé — 18 novembre, 2008 @ 20:41
خديجة عنيشل |
في الجزائر تحدث ظواهر غريبة تدفع المواطن العادي إلى الانتحار وتدفع غير العاديين إلى الموت البطيء الذي تفوق مرارته الانتحار.
في الجزائر يختلط الشخصي بالعلمي فلا نحن نحافظ على الحالة الشخصية بيننا، والتي يفترض أن تقوم على الوضوح والصراحة والتعاطي الحضاري مع الاختلاف، ولا نحن نتقدم في مسيرة العلم الذي يفترض أن نعضّ عليه بالنواجذ لأنه سبيل خلاصنا من هوان الذل والتبعية والغباء.. ونجد أنفسنا دائما في حالة ذهول مرضي تشبه حالة الجنون.. ويموت الإبداع وتنتحر رغبة العلم عند طالبه..
في الجزائر يا سادتي تستغل السلطة لقمع حركة الفكر، وكان يفترض في أمة تسعى للتحضر أن تسيّد الفكر وتُعليه على قوى السلطان، ولكننا أمة لا تزال تزع بالسلطان ما لا تزع بالقرآن!!!
تحدث في الجزائر الآن موجة عنف إداري سيعصف -إذا لم يجد من يوقفه- أخضر الفكر ويابس التقدم، ولو لم يحدد أولو الأمر موقفهم من هذا الهرج الإداري، وإذا لم تتحد النخبة في مواجهة عصف الزيف الإداري ستهزم الحقيقة ويوأد الإبداع وتموت الرغبة في التفكير، وبالتالي سنستنزف كل مقدرات الأمة ومواردها لننزل إلى قاع الحضارة، ونحن نحسب أننا نحسن صنعا!!
ما حدث للأستاذ الأمين الزاوي هو نموذج لهوان الفكر بيننا، ولاستئساد الغربان في ساح الفكر ولتغول كرسي الإدارة..
والرجل نموذج للحق الضائع في وطن ينكر الحق الجميل، ونموذج لصوت الموقف الحر مخنوقا يستنصر الرجال في وطن عزّت فيه قيم الرجولة، وبات السلطان فيه للإفك والرياء والكولسة وأساليب الشيطان…أنا لا أعرف عن الأمين الزاوي إلا كونه مُنذ تقلد منصب رئاسة المكتبة الوطنية بعث قاموس جديد في الساحة الوطنية، قاموس صرنا نسمع فيه عن الكتاب والمكتبة والحوار والفكر واللقاءات الفكرية وعن أسماء أعلام قرأت لهم وتعلمت من كتاباتهم وتشرّب عقلي الصغير من بعض أفكارهم وكثير من كلامهم، ولو لم نعرف عن الأستاذ الزاوي إلا أنه بعث الدم في جسد المكتبة الميت لكفاه ذلك فخرا…
وأنا لما أزل بعدُ طالبة -وغيري من طلبة العلم- حين أسمع عن تنحية رجل مجتهد ودؤوب من منصب كان تابوتا لا حياة فيه وأضحى منارة يضيء فيها سراج العلم رغم اختلافنا إديولوجيا ما الذي يعتريني؟ ما الذي أحسه وأنا أرى كيف يُضرب كف الفكر بحديد الإدارة، وكيف يعامل المفكر من قبل السلطان كما لو كان تلميذا بليدا ما الذي يعتريني؟ ومثل الأمين الزاوي كثيرون من أهل التفكر والكتاب ممن تضطهدهم سطوة الإدارة وينهش إيمانهم بالحرية والإبداع غول السلطة، ويرهب عزيمتهم واقتدارهم إرهاب الكرسي الذي لا فرق بينه وبين الفساد في الأرض من قتل واغتيال وسفك للدماء…
إننا داخل وطن لا نأمن فيه على آرائنا ولا على مواقفنا.. لا نحس فيه بأننا أحرار الفكرة وأسياد الموقف.. الاختلاف عندنا جريمة والخطأ ردّة وتباين المواقف حرام، إننا نعيش في وطن نحس فيه بالغربة، غربة الحق وغربة أهله وغربة المواقف السيدة.
ولم يعد للجرأة العلمية فيه مكان، وصار المتقدمون هم المتزلفون والكذابون والمنافقون!!! وبالتأكيد هؤلاء هم الذين لا يملكون القدرة في الحق ولا المستوى في العلم ولا الجرأة في الشخصية، والواقع أنه لو تقدم مثل هؤلاء ستنتكس راية الإبداع، وتجهض قيم العلم والحرية، لأنه على حد تعبير نابليون بونابرت: »جيش من الوعول يقوده أسد خير من جيش من الأسود يقوده وعل »!!
لقد حان الوقت لنقول للسلطة إذا تجاسرت على حياض الفكر قفي، ونقول للسلطان إذا لم يمنعه الحياء في انتهاك حرمة العلم قف!
ما تعرض له الأستاذ الأمين الزاوي صفعة صفيقة للمفكر في بلادنا، وظاهرة الجبن الثقافي التي تشيع بيننا لن تورث الحركة الفكرية والثقافية عندنا إلا مزيدا من الموات وكثيرا من تراجع الإبداع.
حان الوقت لنقرر بكل جرأة الفصل بين السلوك الإداري والحراك الثقافي، وأن تبقى حركية الفكر والإبداع بمنأى عن سلطان الكراسي، وهيمنة السلطة.
وأعتقد بأن هذا الأمر لن يتأتى إلا بميثاق فكري عام يعقده أهل الفكر ويبرم تعاليمه المثقفون كلهم، لكي تتأسس العقيدة الفكرية في هذا الوطن الغريب فيه المفكر والمبدع والمثقف، ويأمن العلم فيه جانبه وتستعيد فيه الكلمة المبدعة سلطتها، والموقف الفكري الحر مقعده.
وبغير هذه العقيدة داخل الوطن لا يمكن للأمن الفكري أن يتأسس ولا يمكــن للإبداع أن ينطلق، وفي هذه الحالة فليقرأ الجميع السلام على الأمة كلها لأن أمة لا تقرأ، أمة لا تفكر، وأمة لا تفكر أمة تستحق الموت… |
|
|
المصدر :خديجة عنيشل / أستاذة بجامعة ورفلة |
Laisser un commentaire
Vous devez être connecté pour rédiger un commentaire.